Art by/ unknown
توجدُ درجتان من اللون الأبيض قد تم بهما طلاء هذه الغرفة إن دققت النظر!
قد لا تلحظها لأول مرة ولكن الفرق واضح بشكل مزعج..
الساعة في هذه الغرفة بطيئةٌ جداً ..
لا أعلم كم مرة أتيت إلى هنا ..
ربما عشرات المرات .. والعديد من لحظات الانتظار الحارقة!
لا أستطيع تفسير كيف يبدأ عقلي بالفزع حين ألج إلى إحدى غرف الانتظار ..
طنين مزعج يملأ أذناي كل مرة ..
أشعر بأن إضاءة الغرفة حادة .. مؤلمة .. وتراقب أدنى حركاتي!
أختار دومًا أقرب كرسيٍ للباب .. تحسبًا لو تم حبسي هنا فستكون
فرصة هربي ممكنة.
لا أحب هذا الهدوء الشديد .. الذي يغلبني دوماً
و يجبرني على فرد شريط حياتي أمامي .. محملقة في الذكريات
السيئة، التي لا أود تذكرها!
أختار دومًا تشتيت انتباهي بأحلام اليقظة، لكن الحصان الأبيض كان
يسير ببطء شديد نحو خيالاتي.
جفت عينيّ من شدة تحديقي في الأرض الباردة ..
بدأت في عد النقاط على الأرض ولكن إنجازي العظيم قد ضاع سدىً بعد
سير إحدى السيدات أمامي.
أحبُ تأمل الغرباء .. هل هذا غريب؟
أحاول تخمين أسمائهم .. أعمارهم .. وهل يحبون القطط أم لا؟
يبدو أن الفتاة التي تجلس بمحاذاتي غير قلقة كما أبدو أنا ..
أظنُ بأن اسمها "ندى" فهي تبدو كمن سيَكون اسمُه ندى.
بالرغم من أنني لم أقابل أحدًا يدعى "ندى" في حياتي ..
أخمنُ بأن حياتها مليئة بالمشاغل التي لا تتوقف .. فهاتفها لا يكفُ
عن إشعارها برسالة جديدة أو اتصال مفاجئ.
ها هو يرن من جديد ..
لطالما شعرتُ بأن المكالمات الهاتفية تفاجئني وإن كنتُ أعلم
بقدومها .. يغلبني شعور التفاجُئ حين أجده يرن بين يدي.
اتأمل اسم المتصل وكأنني أراهُ لأول مرة في حياتي .. أأخذُ نفسًا
عميقًا ثم أجيب.
يضحكنّ عليّ صديقاتي بأنني أبدو جادة جداً في مكالماتي الهاتفية ..
ولكنني لا أفهم كيف لا يمكن لأي أحد أن يكون أي شيء، غير أن يكون جادًا في حضرة
مكالمة هاتفية!
تدخل الممرضة لتنادي على إحدى السيدات، ويدخل هواء جديد من الخارج،
يتمدد داخل الغرفة، ثم لا يملكُ إلا أن يتداخل مع الهواء الراكد.
أتذكر المهام التي يجب عليّ إنجازها، وتحلُ عليّ رغبةٌ كبيرة في
البدء بمهام قد تأخرت في إعدادها أسابيع.
غريبٌ كيف تشعر بالرغبة في الإنجاز في أماكن لا تتوقعها.
مرةً كنتُ في منتصف نقاش وشعرتُ برغبة كبيرة في إعداد الوصفة التي
ماطلت كثيراً لأصنعها.
تحاولُ هذه الإرادات المفقودة أن تحشرَ نفسها بين اللحظات التي
نسرحُ فيها بعيدًا أثناء قيامنا في مهمة عادية .. أظنها رغبات كسولة بقدر كسلنا
نحن!
فنحن تأخرنا في تحقيقها وهي تأخرت في المجيء!
في هذه الأثناء أستطيع سماع صوتي الداخلي وهو يقول "عذرٌ لا
يجدي، حاولي مرة ثانية".
ألمح إحدى الفتيات وهي تقرأُ كتابًا ما، وتتشكل صورة مكتبتي
الحزينة التي لم أجد الوقت لأقرأها.
يتملكني الإحباط وشعور الضغط القرائي، وقلقٌ بأن شيئاً ما قد فاتني.
بدأ عقلي بالركض مجددًا دون وجهة .. لابد لي أن أهدأ ..
الوضعُ تحت السيطرة .. لما أنا دومًا قلقة بهذا الشكل الغريب!
لا بأس خذي نفسًا عميقًا وركزي على تنفسك فقط.
لطالما كنتُ قلقة بشأن كل شيء في حياتي ..
وحين أتساءلُ حول السبب .. لا أجده في أيّ مكان!
أعتقد بأن بعض الأشياء قريبة منا بشكل شديد ولا يمكننا أن نراها
كأن تكون بين عينينا أو على رؤوسنا..
فنمضي باحثين عن ذاك "الشيء" الذي يسبب لنا التعاسة،
في الكتب والأشخاص أو تحت الوسائد.
نسير غير منتبهين لما يجري لنا ولحياتنا وبأننا قد اخترنا دون وعيٍ
منا ارتداء الأسباب الخاطئة والخروج فيها من المنزل.
هل يعني حديثي هذا شيء ما؟
لا أدري ..
ولكن ها هي الممرضة تنادي على اسمي، أحمل حقيبتي سريعًا وأسرعُ في
السير .. قبل أن يُغلق الباب في وجهي وأحبس هنا في هذه الغرفة الحارقة وقتًا أطول.
-
النهايــة -
كتابة/ عَهْد الحربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق