قصة قصيرة (رسالة مجهولون أصحابها)
.
.
أشعر بأن التحية ستفقدنا شيئًا من القرب المتبادل، وبأنني حينَ سأسألُ عن حالك ربما ستبكي ولن يتسنى لك قراءة رسالتي، لذا سأتجاوز المقدمات هذه المرة ولا أظنك ستكترث لذلك.
أتعرف بأنني خلال الأشهر الماضية أعد قائمة بكل الأشياء التي أحب لحين اللحظة التي ستعود فيها لتشاركها معي مرةً ثانية! إنني أعد الكثير من القوائم حين أشعر بالملل خلال يومي، قوائم الأطعمة الشهيّة، قوائم الأماكن الجديدة المكتشفة، قوائم الاقتباسات التي أقع عليها دون توقع مسبق، كل شيء بإمكانه أن يتحول لقائمة.
أرجو أن تكون رسائلي السابقة قد احتفظت بها؛ لأن خطي ما عاد كالسابق منذ أن تدربت على إتقان كتابة الأحرف بشكلٍ سليم ولسبب ما تكونت لديّ الرغبة في الكتابة على كل الأشياء. أحب تكرار كتابة بعض الكلمات ككلمة "تقوقع"، تنساب عصا الخط بسلاسة حين أكتبها، ابحث عن أيّ فكرة مناسبة لأضيف عليها تلك الكلمة الغامضة.
"تقوقع" أشعر بأن لها لونٌ ورائحة حين أقرأها، أحس بأنني أتقوقع في مقعدي وبأن العالم وواقعي قد تقوقع معي، وبأنك هنا معي .. في قوقعة مجوفه وكل العالم بيننا. غريب! كيف تستطيع الكلمات أن ترسم في أذهاننا رؤيا لا يراها سوانا، ولن يفهم أبعادها وانطباعاتها سوانا نحن، بمفردنا.
تطلب مني والدتي القيام بالعديد من المهام، أظنها لا تحب رؤيتي سارحة بأفكاري، تقول لي دومًا: "لا تسبحي بعيدًا، كوني هنا!" رباه لو كانت تعلم بأنني حين أفكر فأنا لا أسبح، بل إنني أطير! محلقة فوق حطام الأمنيات، مجازفة بالوقت واللحظات المستنسخة في أيامي. أود لو أن بإمكاني وضع أمي في جيبي وحملها معي، حيث الحياة في الخارج تتسع لأحلامها ولأحلامي، اتساع متمدد في الأرجاء، يملؤنا فلا نجوع ولا نخاف من شيء.
هل جربت أن تنتعل حذاءًا ليس لك؟ أو ربما ارتداء معطف لشخص ما؟ أحب دومًا أن استكشف أشياء الآخرين عبري، أشعر بأن لها روحًا خاصة بها قد استمددتها من أصاحبها، فحين أرتدي مئزر جدتي أشعر بأنني لا أقُهر وبأن العالم كله تحت أطراف أصابعي، أحس بثقل السنين وهي تجثم على رقبتي، أحس بالصرامة حين يشتد حزام المئزر على معدتي، وقتها أنا لستُ أنا كما أعرفها بل امتداد لشيءٍ أتوق له ولا أفهمه، كرغبتي في رؤيتي طفلة صغيرة وحملها بين يديّ!
إنني أثرثر كثيرًا حين أكتب، أستطيع الاستمرار في ذكر الكثير من المواضيع مع رفيقاتي ولكنّ شيئًا ما يشعرني بأنها ناقصة دون أن تصل لك، دون أن تمر بكَ عن طريق رسائلي، دون أن تجد لنفسها كيانًا في أفكارك.
لقد اقترب موعد الذكرى السنوية لزواج والديّ، أبي قلق بشأن الهدية التي سيختارها كُل سنة ولكنه يجد دومًا هدية تدهش أمي، بينما أمي تحب صنع مائدة شهية كل عام، بفطيرة التوت الحامض التي تتوسط الطاولة. زواج والديّ يشبه تلك الفطيرة كثيرًا حامض كالتوت ولا يصلح أكله إلا حين يخبز بالمدة المناسبة، لتتحول الحموضة لحلاوة دافئة تشبههما، هكذا هو الزواج ربما .. أن تحاولا معرفة كيف تصنعا فطيرة زواجكما، أن يختار كلا الطرفين النظر لما يقدمه الطرف الآخر بحبٍ محسوس.
قبل أن أنهي رسالتي أود أن أقول بأنكَ إن أوشكت على البكاء فلا بأس بذلك، الأمر هو بأنك تستحق لحظة استراحة، لحظة تستمع فيها لنفسك، لحظة لا أحد فيها أكثر أهمية منك. إنني أبكي كثيرًا بسبب الكثير من الأشياء وربما يراني البعض عاطفية في الموقع الغير مناسب، لكن متى وأين سيكون الوقت المناسب إن لم يكن لحظة الشعور!
أردت أن أخبرك بأنك حين توشك على البكاء فكل شيء لازال بخير، وكل ما يحدث الآن سيصبح في يومٍ ما لحظة منسية لن تتذكرها كما تتذكرها الآن، لأنك في مكان ما .. في نسخة مستقبلية منك .. أنت تضحك كما لم تضحك من قبل، وأسعد بكثير لأنك ستصل لما سعيت له دون أدنى شك.
محبتي لكَ أينما كنت.
-انتهى-
كتابة/ عَهْد الحربي.