Art by: Gordon Mortensen
بدأت بدايات جديدة خلال الفترة الماضية كبدء عمل جديد، قراءة كتاب جديد، اكتشاف مشروب مفضل جديد، التعرف على مخاوف جديدة، اتقان مهارات جديدة، وغيرها.
كنت أفكر بفكرة وحيدة، أن البدايات هي نهايات لأشياء أخرى، حين احتفلت ببداياتي المتنوعة كان هنالك شعور كحفيف الرياح يلفحني حين تنطفئ الأضواء، كنت أشعر بأني شيئًا ما قد مات ونما مكانه شيء أكثر روعة، ولكنني كنت كثيرًا ما أرثي الذي مات، الذي تحلل دون أن أراه، الذي ذهب دون وداع!
فبدأت أفكر في كل الأشياء التي ماتت، كالزاوية التي كنت أحب الجلوس فيها في الجامعة أو الكتب التي كانت قرب السرير، الملصقات التي جمعتها لأجل لحظة تاريخية سأستخدمها فيها، أصدقاء الطفولة اللذين تعاهدنا معًا أن لا ننسى بعضنا، حقيبتي التي لازمتني مرحلة المراهقة، ملمع الشفاه الذي ظننتُ بأنني لأن أجرب غيره، أمنيات ظننت بأنني سأحققها.
أفكر .. حين حل اليوم الأخير لكل هذه الأشياء، هل كنا نعلم بأنه اليوم الأخير!
هل كان ذلك اليوم مختلفًا؟ هل حاولت كل تلك الأشياء المفضلة التلويح لنا لأن ننتبه، لأن نلتقطها ونعانقها ونخبرها كم سنشتاق لها؟
كيف يمكن للنهاية أن تكون بهذا الهدوء العارم دون أن نحس بها، دون أن نعي بأمرها، كأسطورة نسمع عنها.
ترتدي ما فات من الأيام، تنتعل ما تبقى لها منا، تسبح بعيدًا، دون أن تخلف شيئًا.
إن النسيان شيءٌ قاسي، سارقٌ ماهر، ربما النسيان نسي من يكون وأراد للعالم أن ينسوا كل شيءٍ. أظن أن النسيان هدية النهايات، هي ما تغلفه لنا تحت الوسائد كرسالة وداع أخيرة، وترحل بسلام من النوافذ.
كنت أذكر نفسي بأنني في حالة العمق التي لا أحبها، أمنع نفسي من الانزلاق أكثر ولكن ها أنا الآن أكتب أكثر، أسرح أكثر، أتأملُ أكثر.
لستُ إيجابية طوال الوقت. أحاول جاهدة أن أتعامل مع كل ما يمر بي بعقلانية وبحكمة، لكنني سأكون غير صادقة إن كتبت بأنني هكذا كل الوقت. قد تعتري المرء لحظات يتساءل فيها عن كيف آلت الأمور للوصول لهذه اللحظة. أحب تخيل هذا السؤال في قالب إيجابي، جميل، محشو بالقطن كدمية لطيفة! إلا أن للسؤال وجه ثانيٍ ليس بجمال الأول.
ربما استيقظتَ صباحًا ونظرت لنفسك في المرآة وقلت: ما لذي جنيته على نفسي، وكيف وصل بي الحال إلى هنا! *بخلفية موسيقية درامية كما يحدث في المسرحيات*.
أحب تشريح هذه اللحظات لقطع صغيرة جدًا، أتذوق ما هيتها ومن أين أتت وكيف تشكلت كما آكل قطعة من الشوكولاتة، ليست بلذاذة أكل شوكولاتة ولكنها تتيح لي معرفة الحل أو معرفة الطريق الصحيح لإيجاد الحل.
أشرحها، أتفحصها، ربما لا أفهمها ولكنني أستطيع تمييزها إن تكررت مستقبلًا.
هكذا أتعامل مع الأسئلة التي تفاجئني بزيارتها، أنظر لها ببرود أستقبلها للجلوس، أتيح لها لأن تقدم عرضها المسرحي أمامي دون مقاطعة وربما أفهم السبب من مجيئها وربما لا.
نحنُ في زوبعة بدايات ونهايات مستمرة، حوارات تبدأ وتنتهي، أكواب قهوة تطفح لذاذة فتختفي، تصافح لقاء فتلويح وداع، أبواب تفتح وتغلق، شمس تشرق فتغيب، هواتف ذكية تنتعش نورًا فتكفهر ظلامًا، نعيش في رقصة متبادلة بين البدايات والنهايات بشكل مستمر دون أن نحس بها.
هل هذا أمر سيء؟ لا أعتقد ذلك، ليس في كل الحالات.
بعض الأيام أخطوها كمن يستطيع المشي على الماء، سهلة، خفيفة، دون إحداث أيّ أثر. وهنالك تلك الأيام التي لا أكف عن إحداث جلبة في الأرجاء، لا تكف قدماي عن الطقطقة، وأصابعي عن النبش، واكتشف بأن البدايات هي النهايات بقبعة جديدة.
في الفترة الماضية استقبلت يوم ميلادي في فبراير، أتذكر بأنني شعرت بأن اليوم كان مختلفًا، لم أقم بشيء مميز غير أنني كتبت رسالة لنفسي، جملة وحيدة، احتفظ بها في مستندات هاتفي، جملة وداعية للسنة التي قضيتها وأنا في سنٍ لن أعود له أبدًا.
هنالك شعور جميل حين تودع بعض اللحظات بالطريقة التي تليق بها، تشكرها على كل ما قدمته، تتأمل كيف غيرتك وشكلتك للنسخة التي وصلت لها الآن.
مع معرفتي بهذا الاكتشاف لا أعتقد بأنني أريد الانجراف في تلك الفكرة كثيرًا، سيكون من الحزين ألا أعيش اللحظة التي أنا فيها بكل تفاصيلها، بكل ما تخلقه من مشاعر فيّ، المهم برأيي أن أكون في حالة اتزان، بين البداية والنهاية لحظة صفاء لحظة تتساوى فيها الكفتين، وتتقارب القمتين لقمة واحدة.
البداية هي النهاية وبينهما في ذلك الفاصل الشاسع أختار أن أحيا.
- عَهْد الحربي.