Art by/ sanny van loon
قبل عدة أشهر شاركتني أختي قصة قد
أعجبتها وهي تقرأ كتاب "عالم صوفي" وسأشارككم الحكاية:
" مرة كانت هناك أم
أربعٍ وأربعين، تتقن الرقص بكل قوائمها هذه، فإذا رقصت، جاءت كل حيوانات الغابة
تتفرج، وتعبر عن اعجابها، باستثناء واحدة فقط هي السلحفاة.
-
إنها
غيورة، ببساطة.
-
كيف
العمل، كي لا تعود أم الأربع والأربعين إلى الرقص؟ تساءلت السلحفاة.
"لا
يكفيها أن تقول أنها لا تحب طريقتها في الرقص، ولا يمكنها أبداً أن تدعي أنها ترقص
أفضل منها، إذ ستبدو مثار للسخرية. إذن، لابد من وضع خطة جهنمية."
كتبت
السلحفاة رسالة لأم أربعٍ وأربعين، تقولُ فيها: (( أيتها الأم أربعٍ وأربعين،
الفريدة! أنا معجبة متحمسة، بفنك الحاذق في الرقص، وأسمح لنفسي بأن أسألكِ: كيف
تفعلين عندما ترقصين؟ هل تبدئين برفع القائمة اليسرى رقم كذا أم القائمة اليمنى
رقم كذا؟ أم بسرعة.))
مع احترامي
السلحفاة
-
عندما
تلقت أم أربعٍ وأربعين الرسالة، راحت تتساءل فعلاً عما تفعله بدقة عندما ترقص، أية
قائمة ترفع اولاً؟ ثم أية أخرى ثانياً؟
فماذا
تعتقدين أنه حصل؟
-
أعتقدُ
أنها لم تعد تستطيع الرقص.
-
هكذا
بالضبط ما حصل، وهذا ما يحصل عندما يقيد الفكر والعقل الخيال".
أتذكر جيداً لحظة الصمت التي جالت في
الغرفة والإبتسامة التي تشاركتها مع أختي، وكأنها لحظة نطق بها عقلينا بـ
"آها".
لم تغادر هذه القصة تفكيري منذ ذلك
اليوم، بقيت أفكر في الدرس العميق وراءها، حول السر الكبير الذي بقي يكشفُ عن نفسه
يومًا بعد يومٍ أمامي.
أستطيع أن أربط هذه القصة بعملية
الإبداع، التي لازالت حتى هذه اللحظة تشغل بال الكثير من المهتمين والفنانين في
مجالاتٍ عدة.
كيف يبدأ الإبداع؟
وماهي خطوات حدوثه؟
هل للزمان والمكان دور في تشكيل هذه العملية؟
ولماذا تختلف طبيعتها مع تغير أصحابها؟
الكثير من الأسئلة طرحت ولكن لا توجد
حتى الآن إجابة واضحة صريحة ومشتركة مع الجميع.
وإن كنا نصب جل إهتمامنا "بكيف نبدع؟" ربما تكمن المشكلة من هنا .. بأننا نششتت أنفسنا عن الهدف!
وإن كنا نصب جل إهتمامنا "بكيف نبدع؟" ربما تكمن المشكلة من هنا .. بأننا نششتت أنفسنا عن الهدف!
إن كنتُ سأتحدث عن تجربتي الشخصية فحقاً
لا أعرف كيف يحدث الإبداع .. الأمر يشبه الومضة أو اشتعال الفتيل من غير سبب.
في لحظة سريعة تبدأ .. وكل شيءٍ يغدو سريعًا
وغير مفهوماً.
الأمر معقد قليلاً حسب الحالة .. في
أحيان تعرفُ مسبقاً ما ستقوم بإنتاجه وتستطيع رؤية العمل النهائي بوضوح شديد
التفصيل.
وفي أحيانٍ قد لا تدري ما ستقوم به،
ولكنك تسير وفق الموجة التي غطست إليها دون استعداد .. فتقوم بالرسم أو الكتابة
بناءاً على الحالة التي تعتريك.
وهذا أمرٌ في غاية الدهشة!
أمر في غاية الجمال و
"الإبداع"!
قبل عدة أسابيع مررت في حالة انتاج
منخفض إن صحت تسميتها .. فغزارة الكتابة لم تكن كسابق عهدها حتى إن شهيتي القرائية
قد تغيرت كثيراً فما عادت بعض الكتب تستهويني لقراءتها.
كان الأمر محبطًا بعض الشيء..
وأعتقدت بأن بداخلي خزان خاص يقع في
مكان ما في رأسي، قد فرُغ!
هكذا فجأةً..
وكل الذي شغُل تفكيري تلك المدة هو البحث
عن طريقة لإعادة ملئه .. فلابد من سبب لهذا الجفاف الإبداعي –كما كنت أعتقد-.
كنت أحاول فهم هذه الحالة الغريبة
ومعرفة تفاصيلها لأحاول حل ما أمرُ به .. كنتُ أقرأ غالبية ما يتم كتابته حول
موضوع الإبداع والخيال وتدخل العقل في هذه العملية.
حتى أن في بعض الليالي قد وصل الحال
لأكتب في محرك قوقل " خطوات عملية للإبداع"!
– وبالمناسبة لم أجد فيها ضالتي-
لكن توصلت لقناعة جديدة وهي:
"بأن خزان الإبداع لا يفرغ
أبدًا"، كل ما في الأمر بأنه يأخذُ استراحة .. أو قيلولة.
ومحاولة فهم هذه العلمية قد يشتتك عن
البدء في الإنتاج، لذلك أود أن أشارككم بعض النصائح التي التقطتها من عدة أماكن وخلاصة
حديثي مع الآخرين حول الفكرة.
إن كنتَ في حالة جفاف إبداعي فربما
ستساعدك هذه النصائح والتجارب:
1- "وقتٌ مستقطع"
إن
صادفتك لحظة شعرت بها بالاحتباس في منتصف عملك الإبداعي، لابد لك من أخذ وقت
لتبتعد فيه عن عملك كالقيام بشيء جديد أو أخذ وقت للنوم والراحة.
قد
تنتج لوحة فنية ولكنك تتوقف في لحظة من اللحظات ولا تعلم ما يجب عليك القيام به
بعدها .. أخرج من محيطك وجدد مستقبلات حواسك .. ثم عاود النظر إلى عملك الإبداعي
لتنظر لها بنظرة جديدة ومختلفة.
2- "اقترب من الطبيعة"
قد
تبدو نصيحة غريبة بعض الشيء ولكن خروجك من منزلك لتقضي وقتًا تحت أشعة الشمس أو
تأمل البحر أو الخروج للحديقة ينعش روحك وإحساسك الإبداعي بشكل مهول.
أقل
شيء يمكنك القيام به هو فتح نافذتك لتجديد الهواء الذي تتنفسه رئتيك.
3- " قم بشيء جديد"
لا
يهم إن كنت غير مبدع في فن الخبز أو التطريز والرسم الخ .. المهم أن تجرب وأن تقضي وقتك
في استعمال مهارات جديدة.
تجربة
شيء جديد يساعد في إثارة أماكن جديدة في مراكز الدماغ مما يزيد من حصيلة تجاربك
التي لها يد في غزارة مواهبك الإبداعية.
4- "تحدث مع الآخرين"
لازلت
أؤمن بأن العلاقات الاجتماعية الجيدة تلهم المبدعين على الإبداع.
لازالت
الكثير من الأحاديث واللحظات تلهمني شخصيًا على الكتابة أو الرسم .. لأنني منها
أستطيع فهم ذاتي والعالم بشكل أوسع.
تحدث
مع أصدقائك المقربين حول الأسئلة العميقة التي تتساءل عنها دومًا .. وسوف تتفاجئ
بوجهات النظر الكثيرة التي ستشعل جانبك الإبداعي بلا شك.
5- "اقرأ"
قد
أكون منحازة دوماً للجانب الأدبي الذي أعيش فيه طوال الوقت .. ولكن حقًا أرى بأن
القراءة تؤثر في غزارة الإبداع ولو بشيءٍ قليل.
حاول
أن تقرأ أعمالاً استثنائية، لها أثرها في العالم، حاول معرفة لماذا تأثر بها هذا
الكم من الأشخاص طوال هذه السنوات والقرون! تعلم مالذي جعلها مميزة ومختلفة.
عندها
ستعرف كيف تبدع بوعي وحصيلة أكبر ومنها ستتمكن من تقييم منتجك الإبداعي في النهاية.
6- "كن صبوراً"
بعض
الأعمال الإبداعية تتطلب وقتًا من الزمن حتى تتشكل ..
قد لا تدري متى ستنتهي من قصتك
التي ظللت تكتبها لسنوات.
اجتهد
ولكن لا تستعجل العملية الإبداعية .. حاول معرفة أين تكمن الصعوبة وحاول تفكيكها.
ربما
سيكون الحل أن تتوقف وتبدأ من جديد بفكرة أخرى .. لا تيأس وكن صبوراً وتلطف مع
ذاتك ولا تجهدها كثيراً.
وبعض الكتب التي أجدها مفيدة كثيرا ًللمهتمين بالمجال الإبداعي للكاتب "austin kleon" متوفرة في مكتبة جرير:
لكن يجب علينا أن لا نفقد هذا الجانب الرائع في أنفسنا ..
لابد لنا من الاستمرار في اكتشاف جوانبنا المميزة ومحاولة إيجاد طرق لتحفيزها على الإزدهار!
أنا مؤمنة بأننا مبدعون بطرقنا المختلفة .. كل ما في الأمر بأن بعضنا يملك الشجاعة على الاستمرار.
وأنهي هذه التدوينة
باقتباس:
"معظم
الناس لا يرون أنفسهم مبدعون وذلك لأنهم يربطون الإبداع بالتعقيد ولكن الإبداع هو البساطة"
-
ستيف
تشاندلر.
أرجو أن تكون
التدوينة قد أفادتكم يا رفاق!
ممتنة لقُراء
المدونة وللرسائل اللطيفة التي تشاركوني إياها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق