الجمعة، 14 سبتمبر 2018

رسالة إلى السيد صيف


Art by/ hori narumi

قررتُ في ليلة ما أن أكتب لفصل الصيف رسالة بعد أن تعطل جهاز التكييف في غرفتي في أشد أيام الصيف حرارة، ولا أنكر بأنني لم أكن لأظن بأن حديثًا طويلًا سينتجُ عنه.
لذا رسالتي التالية هي لفصل الصيف..


مرحبًا يا صيف أو ربما بإمكاني أن أقول السيد صيف.
لقد أخبرتني جدتي بأن أقول شيئًا لطيفا قبل أن أنقُد أيّ أحد، لكن لأهميتكَ الكبيرة في سنوات حياتي قررتُ أن أغير عاداتي من أجلك!
لذا أتمنى أن تشعر بأهميتك حتى أستطيع البدء بالبوح.

حين أتنبهُ بأن موعد حلولكَ سيحل قريبًا بعد رؤيتي لذبول الأزهار الملونة وأصفرار الأوراق الخضراء المبتهجة وانطلاق الحشرات من مخابئها أشعرُ بشيء من الحكة تسري في جسدي.
وبالمناسبة هذا ليسَ بالشيء الجيد!


أشعرُ دومًا بأن شمسًا حارةً تطفو فوق رأسي متى ما أتيتَ بثوبك الساطع ونفسك الحار المُلتهب، كنتَ فصلي المفضل في زمن مضى وقد كنتُ أنتظر مجيئكَ بشوقٍ نهاية كل سنة دراسية وأتخيلُ الفساتين المبتهجة التي سأرتديها واللعب في الخارج حتى الغروب والليالي الدافئة والإستمتاع بالعصائر المنعشة.
لكن هذه القصة لم تعد موجودة.

لأقولها بشكل ألطف ما عدتَ الفصلَ المفضل لي، بل ربما بتَ الأسوأ يا سيد صيف!
وهذا ما أريدُ أن أحادثكَ بشأنه، بشأن صداقتنا التي تغيرت وتصرفاتك التي ما عُدت أفهمها! بِتُ صديقة الغُرف المكيفة والماء المثلج البارد ولا أخرجُ من المنزل متى ما أردتَ أنتَ يا سيد صيف استعراض مواهبك في جعل الرطوبة ترتفع حتى الما لا نهاية إن كان ذلك ممكنًا!

وهذا ليس رأيي أنا وحدي! فلربما أجمع الكثير على ذلك، ولأنني لم أشأ أن أدعك تجهل ما أكنهُ لك قررتُ أن أخبرك برأيي بكل صدق ولتقبل كلامي بقلب رحب.

هل تحاولُ جعلي لا أطيقكَ أم أن هذه هي طريقتك في إثارة الإنتباه؟ لأنني لا أظن بأن زيادة حرارة الجو كل ليلة هي بالفكرة المناسبة.
هل هذه هي طريقتكَ في التعبير عن المحبة وشمل الجميع؟ لكن لا تبالغ في العناق أرجوك فقد نموت من شدة الحرارة!
قد يكون دافعي من كتابة هذه الرسالة هو الانتقام منك بطريقة ما، وهو بتذكيرك بأن موعد ذهابك قد حان، ولسوف أتأملك وأنت ذاهبٌ، فرحة أشق ابتسامة عريضة على وجهي.

لكن كيفَ أحتفلُ بهذا الأمر وأنا التي لم يكن لي يدٌ في ذهابك! أتعرف ما يثير اهتمامي هو قدرتك في المجيء بكُل صخب وذهابك الذي لا يتنبهُ به أي أحد حتى نعي بأننا ما عُدنا نحتاج للهرب من حرارتك.
ربما كان ذلك ما يشدني لأن أُعجبَ بك؛ قدرتك على التنحي وترك مكان لآخر، تبدو كمن دخلَ في رحلة تشكيل وخرج بشكل مختلف، ربما توقفتَ عن القفز والصخب لكن مازالت آثار عبوركَ تنبض بما تبقى منك.

لذا كلمني عن الذي حدثَ بيننا، كيف تحولتَ من فصلي المفضل إلى شيء لا أودُ التفكير بالعيش فيه طوال الوقت؟
أتملكُ ضغينة تحملها علي؟
الأنني كبرتُ وتوقفتُ عن الخروج واللعب تحتَ ضوئك؟ أكنت تودُ لفت انتباهي بهذه الحرارة التي لا تتوقفُ عن الإزدياد؟ دعني أخبركَ بأنني من النوع الذي يهرب متى ما حاولَ أحدهم لفت انتباهي بهذه الطريقة.
ربما كتابتي لهذه الرسالة هي طريقة لأجعلك تتحدث لي، لتخبرني عما تراه وتدعني أفهم.


أتعرف نمتُ مرةً في ليلة من لياليك الحارة ولسبب ما نسيتُ فتح جهاز التكييف، شعرتُ بالاختناق في منتصف الليل واصطبغَ وجهي باحمرار كأنكَ قد شويتني عمدًا، وددت لحظتها أن أقابلك وأخبرك كم أكره مزاحك، لكنني توقفت وجلست في الغرفة المحترقة .. شعرتُ بالحرارة تخرج وتعود من على وجهي وتسير بتتابع أنفاسي، ولدقيقة أحسستُ بأن الحرارة قد اختفت وبأن الهواء قد برد وأن أفكاري التي تحولت لرماد في رأسي المشتعل برزت من الركام والتمعت في الظلام أمام ناظري.
أكنتَ تحاول قول شيء لي؟
سأعترفُ بأنني لم أفهم رسالتك ولعدم رغبتي في ترك ملفات مفتوحة سأسألك مرة أخيرة .. مالذي أردتَ قوله؟ أم أنها مجرد تخيلاتي الكثيرة؟
وكما أخبرتكَ في بداية رسالتي بأنني سأغير ما علمتني إياه جدتي، فقد حان وقت أن أخبرك بحقيقة ما يعجبني فيك، لديك شيء واحد أو اثنين .. حسنًا ربما أكثر يميزك عن الجميع.

سأعترفُ بأن لك حسًا فنيًا في اختيار ما تصنعه وبأن روحكَ المرحة وصخبك وضجيج ما يحدث في وقتك يترك فييّ شيء أعمل لأجله، في الليالي الساكنة وحين لا يُسمع منها إلا صوت صراصير الليل والسماء تبدو أكثر حلكة أضحك في نفسي لمجرد تخيل بأنكَ أحرقتها لشدة تفانيك في جعل أيامي صعبة كما لو أنك قليتها في الزيت الحار.
سيتركُ جوكَ الحار ورطوبة فصلك سببًا كافيًا لجعلنا نبتسم عند هروبنا من الحرارة للمنزل، وتجمعنا حول بعضنا بإياديٍ ملتصقة من المثلجات الباردة.

شوقنا لك لأن أسمكَ قد اقترن بإجازة طويلة، حيث اللعب والنوم والسهر المتواصل هديتك لنا. الوان الثياب السعيدة، صفوف النمل التي تخطو بسرعة لجمع الطعام استعدادًا لما بعدك، لمعان الرمال وتراقصها، بهجة الأمواج على الشاطئ.
تخطو يا صيف بزهو بين الطرق التي تبخرت من الحرارة والمعادن التي ذابت في بكاء مكتوم بزهو وكأنها نزهة!
كل شيء تحمله يدعو للإنزعاج، لكن وبكل صدقٍ لا مجال لنا لأن نستمتع بهذه التفاصيل دون وجودك يا صيف!
لأنكً كنت سببًا كافيًا لجعلها تحدث، فقط بوجودك وبالحرارة التي تستقبلنا بها.

قد لا تبدو هذة الأشياء مثيرة للإعجاب، لكن هذا ما أريد إيصاله بأن العالم مليء بالكثير من الأشخاص و جميعهم يحملون مزايا قد لا تعجب الجميع ولا يفهم مقصدها أو جوهرها كل الناس، ولكن .. دومًا سيكونُ هنالك متسع لشخص واحد على الأقل لأن يلوح لك من البعيد وسترى وجه السعادة يلتمع على محياه.

الكره كلمة قوية يقاربها الحب، ربما لشدة كرهي انزلقتُ في بحيرة المحبة وأصبحتُ أحبكَ في نهاية المطاف. وأشعرُ بالحزن عند وضع ملابسي الصيفية بعيدًا استعدادًا للخريف، وتوقفي عن أكل البطيخ ويخيلُ لي سماع صوتك وأنت تمشي باستمتاع وتضحك بعيدًا حاملًا ما تبقى في جعبتك من الحرارة ومقالبك التي لا تنتهي ولا أملُ عن كُرهها حتى انزلق وأشتاق قدومك مرة ثانية.




-إلى لقاء قادم في تدوينة جديدة-

- عَهْد الحربي.


-تجدونني هنا-








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق